يا اهلا وسهلا، اليوم راح اتكلم عن موضوع ببالي من فترة طويلة، موضوع الرواقية، أو الفلسفة الرواقية، قبل فترة تكلمت عنها في تدوينة سابقة، تدوينة”ماذا يعني أن تكون تحت التهديد كل يوم” وطرحتها حكل للتعامل مع الضغط اللي نتسبب فيه من أنفسنا لأنفسنا، اليوم راح اتكلم عن الرواقية كمفهوم وفلسفة، تاريخها, مفهوم أو تعريف الرواقية بشكل مبسط هو “تركز على اللي تقدر تسويه وما تركز على اللي ما تقدر تسويه“ والفلسفة تعتبر أداة تساعدنا على التعامل مع المصائب والمصاعب اللي نمر فيها.
التاريخ الرواقي؟
يهمنا من التاريخ الرواقي شطر صغير منه، كيف وصلت لنا الكتب اللي راح نتعلم منها الرواقية، يقولون اللي ماله أول ماله تالي، وجزء من التاريخ راح يخليك تفهم أكثر سببية الفلسفة هذي، يُقال بأن سبب شهرتها هو انتهاء الحقبة اليونانية في ظل التعايش مع الوضع الجديد بعدما تفككت الحضارة اليونانية ودخلت في صراعات داخلية، وكأن الفلسفة تنعي ما فات من حضارة انتهت.
بدأت من اليونانيين
التاريخ الرواقي يبدأ من قبل ميلاد المسيح ب٣٠٠ سنة تقريبًا، ابتدعها زيون الرواقي، زينون كان تاجر (بحارة) وخسر سفينته وبضاعته وفقد تقريًا كل ما يملك و”توهق”، ونزل أثينا وبدأ يتعلم الحكمة وبدأ يتكلم “بأروقة معمدة” ومن هنا جاء اسم الرواقية بالعربية.
أساس الفلسفة الرواقية في وقت زينون كان مبني على ثلاث أقسام. المنطق، الفيزياء، الأخلاق. كان يرى بأن المنطق والفيزياء أساس تبني من خلاله الأخلاق. الهدف الرواقي على كلامه ” بأن الرجل الحكيم يجب أن يتحرر من الانفعال، ولا يتأثر بالفرح أو الترح، وأن يخضع من غير تذمر لحكم الضرورة القاهرة” الهدف هذا هو الرواقية الصرف. ما يهمنا هنا نكون رواقيون “أبطال”
احنا نبحث عن نظام يخفف آثار علينا صدمات المصائب التي تحل علينا من التغيير المتسارع في هذه الحياة، ويمككنا نكون “تنفيذيين أكثر”.
وتأطرت عند الرومانيين
في أول الحضارة الرومانية كان فيه أباطرة الفلسفة الرواقية وأشتهرت وكانت أغلب كتاباتهم اللي بين أيدينا منهم ونذكر منهم أهم اللي نشوف كتاباتهم بين أيدينا، سينكا، ابكتيتوس، ماركوس أوريليوس.
هذول الثلاثة نقدر نقول أنهم كونوا وطوروا وكتبوا أهم ما بين أيدينا من كتب رواقية في عصرنا. الفلسفة الرواقية بسيطة من حيث المبدأ. صعبة من ناحية التطبيق, وتحتاج إلى صبر في الحياة ولكن تأطيرها في الحياة واستخدامها للتعامل مع المصائب، راح تكون من خلالها أكثر موضوعية في حياتك، أقرب لأهدافك ولعلك تكون أكثر إنتاجية لأنك “تركز على اللي تقدر تسويه وما تركز على اللي ما تقدر تسويه” وهذا مبدأ الرواقية أو تعريفة العام.
هل عالمنا الحالي يحتاج لها؟
لاشك العالم اللي نعيش فيه مختلف تماما عن ٥٠٠ سنة من الآن، العالم صارت المعلومات فيه أكثر التواصلات فيه صارت أكثر العمل اللي تحتاج تسويه صار أكثر، وش اللي اقدر اسويه؟ وش الشيء اللي ما أقدر أسويه؟ خلاص أركز على اللي اقدر اسويه واللي ما اقدر بخليه لأني ما اقدر اغيره (خارج نطاقي).
ليش الرواقية حل؟
لأن الحياة راح يبقى فيها مشاكل فيها تحديات تحتاج صبر وتعامل، ومهما كنا في وسط معين في الحياة دائما راح يكون عندنا خيارين.
أعتقد من غير الجيد الاعتداد بالفلسفة الرواقية وأخذها بالكلية، بمعنى نأخذ الجيد منها اللي يخدمنا في هالحياة، فلو كان فيه فكرة غير مقبولة ولا تخدمنا ولا تساعدنا في الرواقية ما ناخذها. الرواقية بكل بساطة مثل ما قلنا تشوف الأحداث والمصائب على:-
شيء تقدر تسويه
شيء ما تقدر تسويه
والخيار دائما عندك، بمعنى اختيارك لأي الطرفين يبقى اختيار(ك)، الفكرة هذي أخذها من كتاب فن اللامبلاة الفصل الخامس يقول”أنت في حالة اختيار دائم You are always choosing” من قبل كم سنة وما زالت تطاردني وحقيقة احيانا احقد عليها لأنها تجيني وانا مابي اسوي شي😂 وودي اتراخى، فتكون نكال علي في بعض المواقف وترغمني أتحرك أو اكون محبط أكثر.
فكرة كونك تختار دائما تحط ببالك واقع انك تسوي الشي اللي ودك تسويه أو ما تسويه، تطلع ببالك دركسون حياتك، واحنا المفروض ما نتحمس ونعتقد اننا نقدر نحرك أشياء مجنونة في الحياة، لو نلاحظ حجم الأثر اللي راح تسويه في الحياة ما حيكون شيء مغير للطبيعة على نطاق واسع جدًا، ولكن لو تلاحظ على نطاق حياتك الشخصي راح يكون عالي جدًا والآثر هذا قد يتفاعل مع متغيرات موجودة في نفس الوقت ويكون أثرها مجنون، بمعنى انا اقدر اقول حجم الأثر اللي راح اسويه في الدنيا مره قليل فما يحتاج اكتب التدوينة ويبقى اختيار(ي) وبرضو اقدر اقول كتابتي للتدوينة قد تغير في شخص واحد على الأقل اللي هو “أنا” فليش لا، ويمكن نشر للتدوينة راح تضيف لأحد شيء يساعده فليش لا؟
ما تركز عليه يكبر
فيه فكرة أو قانون خطير يقول، اللي تركز عليه يكبر، واستطيع أقولكم انها “حقيقة”. لأنك لو تلاحظ الحياة. الكائنات اللي حولنا. تلاحظ أنها مجبولة على فعل مهام محددة، المهام المحددة هذي راح توصلها لنتيجة معينة النتيجة هذي تضمن سير الحياة فينا، البشر، الشجر، الحيوانات، الحشرات كلها عندها دورة معينة تحتاج تمشي من خلالها ولا فقد النظام استمراريته (انقراض).
نرجع للفكرة، الفكرة بسيطة، الشيء اللي تركز عليه يكبر، لو تركز على السلبية راح تشوفها في حياتك وراح تُهمل الايجابية والعكس، ونفس الحكاية الطبيعة العملية اللي فيك، بمعنى مثلاً لو تركز على فعل الكتابة فقط وتستند على مبدأ الحتمية مع الأخذ بالحسبان بأن السببية قد لا تصل للحتمية، فعلي للكتابة ما حيوصلني لكتابة كويسة لكن استمراري فيها “قد” توصلني لها.
أفكار قد تبدو من الخارج غير مترابطة لكن لو نشوفها من جانب أخر ترابطت، تركيزك على الفعل العملي راح يحقق نتيجة معينة “قد تكون جيدة أو سيئة” وبناء عليها راح تبني العمل اللي بعده من مهام، “ما تركز عليه يكبر” سواء كنت لاعب كرة قدم أو رائد أعمال أو طالب. والحياة محددة لنا مهام معينة يجب علينا عملها لاستمرار الحياة.
تطبيقات عملية للرواقية
أعتقد الرواقية تبدأ وتنتهي بك، قراءة الرواقية قطعًا راح تساعدك بدونها ماراح تفهم المحاور اللي فيها، لكن الرواقية بالنهاية عندك أنت بمعنى انت تختار وش المناسب وشو اللي مو مناسب لك. ممكن يكون مناسب لي فكرة التعامل مع الحياة بهالشكل لأنها جالسة تحل مشكلة أو تحدي شخصي عندي لكن مو بالضرورة عندك نفس التحدي أو تشوفه بنفس الزاوية الخاصة فيني. لأن كل الناس لديهم منطق من الخارج متشابه من الداخل مختلف.
الهدف من الرواقية من منظوري الشخصي تدريب وشحذ العقل لتقبل الرفض في شتى أنواعه والتركيز على فعل العمل بدون توقع إيجابي أو سلبي لتقليل الممانعة الموجودة في العقل البشري في حال كان هناك عمل “صعب” أو “سلبي” متوقع مستقبلاً (ويصاحبه الخروج من منطقة الراحة).
التعامل مع المصائب كأنها وقائع راح تحدث لك ومن بعد ما تحدث لك تتعامل معها بطريقتك.
الايجابيات الموجودة للرواقية
للرواقية ايجابيات وعيوب، أعتقد فيها (الفكر الرواقي) راح تقدر تتعايش مع الحياة كواقع لحظي ما راح تشوف الماضي أو المستقبل بسلبية أو إيجابية. وراح تركز على اللي مهم لك. وراح تتحرر من رأي الأخرين لأنك راح تشوفه بشكل موضوعي وراح تركز على اللي تشوفه مناسب لك لأنه اختيارك.
أعتقد من أحد عيوب الرواقية هو فقدان جزء من اللذه في النجاحات وراح تكون بحق “Unstoppable” لأنه إذا ما وقفك الفشل وش اللي راح يوقفك؟ لأنك ما تهتم بصيت بالنجاحات مثل ما تهتم بنكبات المصائب وراح تكون مركز فقط على عملك اللي تقوم فيه الآن.
التعامل مع المشاعر
لاشك بأن الإنسان جزء منه مشاعر، ولا شك بأن المشاعر هذي تأثر علينا بشكل إيجابي أو سلبي، في الرواقية. التأثير هذا يجب أن يتم التحكم فيه. بمعنى نتحكم برد الفعل (المشاعر الصاروخية التي تجعلنا نتسرع في الحكم).
وهذا نقدر نشوف الصورة اللي تشرح الفكرة بكل بساطة. الرواقية تساعدك تشوف رد فعلك وتخليك تفصل قرارك المتسرع عن قرارك الأحكم, وتخليك تشوف منطقة اللي بينهم صدقني المنطقة هذي إذا ركزت عليها راح تلاحظ برضو ان نسبة كبيرة من العمل الصعب اللي يحتاج قرار صعب هو يحتاجك تختار في هذه الفترة فقط، يعني لو تبي تروح النادي متكيسل، الحل انك ما تركز على النادي والأحمال، تركز على أنك تتخذ القرار وتركز على انك تشغل السيارة وتروح أو فقط تشيل شنطتك وتركز فقط على المشي للسيارة فتكون كذا كسرت خوف الصعوبة بتركيزك اللحظي على اللي بديك من مهمة صغيرة.
كتب رواقية
لسى ما تبحرت وقرأت في الكتب الرواقية، اللي نعرف منها:-
التأملات ماركوس أوريليوس
الكتاب هذا ما كان معمول للنشر، ماركوس كان حاكم الرومان في وقت كان صعب جدًا وقدر يتعامل مع المواقف الصعبة اللي يمر فيها من خلال التدوين اللي يكتبها لنفسة ليتعامل مع المواقف اللي يمر فيها وبعد ما مات نُشرت ووصلتنا.
سينيكا الصغير، أستاذ رواقي كبير، كان يكتب لصديقة مخطوطات أو مسودات يطرح له أفكاره وكيفية التعامل مع المواقف اللي كان يواجهها لصديقه ومن هذا السلسلة الرواقية (ثلاث مجلدات).
الكتابات أشبه ما تكون مخطوطات يُستمط منها الحكمة والفلسفة والهدف من قراءتها تأطير الفكر الرواقي في النفس من خلال التخاطب والحديث مع الكاتب ومحاورة الأفكار، الهدف من الفلسفة ليس فقه الحديث والبلاغة، برأيي الهدف من الفلسفة هو تحسين الحياة الشخصية من خلال التطبيقات العملية والمنطقية اللي جالسة تقدمه، مو الهدف اتعلم منطق الكلام.
ختاما
أعتقد الرواقية هي إطار للتعامل مع الحياة مثله مثل أي إطار أخر، الفرق المفصلي فيه عن غيره هو التعامل قدرته على التعامل مع الوقائع بشكل موضوعي وهذا راح يخليك تكون “أقل” حدية وقت التعامل معها. الفلسفة الرواقية ما راح تحل مشاكلك، لكن راح تعطيك منطقية تقدر تتعامل معها بشكل أعلى، راح تكون هجومي أكثر من دفاعي في مصائبك وممكن تكون سبب تغير فيه عالمك الصغير.